بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة مختصرة من حياة سلام الله عليها
كانت ولادتها في السنة الخامسة للهجرة، وفيها عاد رسول الله سلم من سفره، وأشرق بيت فاطمة بقدومه، واحتضن رسول الله الحفيدة وسمّاها زينب و كلمة زينب تعني أصل الشجرة الطيبة.
عُرفت بالعقيلة أو عقيلة بني هاشم لأنها كريمة قومها وعزيزة بيتها.
كان أمير المؤمنين يرد الطالبين بزواجها وعندما تقدم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الكفؤ لعقيلة بني هاشم الذي لُقب بـ(بحر الجود)، وافق أمير المؤمنين على زواجه منها.. فأبوه جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية من المهاجرات المؤمنات المعروفة بالتقى والصلاح والتي عبّر عنها بالنّجيبة.
وزينب عقيلة بني هاشم رغم أنها تزوجت وانتقلت إلى بيت ابن جعفر إلاّ أنها لم تتخل عن المسئولية لتدير بيت أبيها وتهتم بشئون أخويها وتصبح المسئولة بهم أولاً وآخراً، فقد انتقلت من المدينة إلى الكوفة تبعاً لانتقال مركز الخلافة وكان بمعيتها زوجها وأولادها لتعيش على مقربة من الإمام بصفتها الإبنة الكبرى لعلي بعد وفاة أمها فاطمة .
وزينب بحكم مركزها في البيت العلوي تختلف عن باقي النساء، فصُورُ مأساة فقدِ جدها رسول الله سلم وأمِها الزهراء ما زالت عالقةً في ذهنها، وقد شاركت بذلك الأحداث ومشاكل الحركات التي ثارت في وجه أبيها التي كان آخرها رؤيتها له صريعاً في محرابه بسيف الشقي بن ملجم، كما قد سمعت وصية أبيها أمير المؤمنين بأن رسول الله أمره أن يوصي إلى ابنه بالإمامة وولاية الأمر، ويأمره أن يدفعها لأخيه الحسين من بعده ثم لابنه علي بن الحسين ثم لابنه محمد .. فلم تكن زينب بمعزل عن هذه الوصية ووعتها جيداً.
مع الحسين
"والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد.." فهمت زينب من خلال كلمات وتضحياته، أبعاد الموقف المرتقب ألا وهي تحمل مسئولية القضية التي ضحى من أجلها في نشر نهضته الجبارة في وجه الباطل، تلك النهضة التي هي امتداد للرسالة التي جاء بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
**********
ظهور صفات المعصومين في زينب سلام الله عليها:
هناك خصوصيات لزينب هي نفس خصوصيات :
1- الولاية والقدرة التكوينية حيث إشارت بيدها إلى الناس وهي في الكوفة فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس وهذا يدل على سيطرتها التكويني على كلِّ شئ.
2-العلم اللدني الذي اكتسبته زينب من وهو علم الإمامة، قال عنها الإمام زين العابدين فقد كانت "عالمة غير معلمة" وقد ظهر كلّ شئ في خطبتها العظيمة في الكوفة والجدير بالذكر أن الزهراء أخذت ابنتها زينب إلى المسجد وخطبت الخطبة الفدكيةو كانت زينب آن ذاك في السابعة من عمرها ، فكيف استطاعت أن تحفظ الخطبة بأكملها وتنقلها إلى الآخرين حتى تصل إلينا؟ فلولا اتصالها بالغيب لما استطاعت زينب أن تنقل هذه الخطبة الغراء ذات المحتوى العميق!
وكأن الزهراء عندما خطبت كانت تقول لزينب بلسان حالها أن اسمعي الخطبة جيدا لأنك أنت أيضا سوف تخطبين بنفس الأسلوب وأنت بالكوفة ، وهذا ما حدث حيث خطبت زينب في الكوفة بنفس النمط كما هو واضح لكل من يتعمق في الخطبتين ويقايسهما معاً ، وكأن الزهراء هي التي تكلمت في الكوفة فالعبارات متقاربة والنسق واحد.
ولكن هناك فرق كبير بين الموقفين:
فعندما دخلت الزهراء إلى المسجد وخطبت كانت تخاطب المهاجرين والأنصار والأرضية كانت مهيّأة لبنت رسول الله ، أما زينب فكانت تعدُّ أسيرة فالمخاطبون هم أعدائها الذين قتلوا أولادها وأخوتها ، ولكنها مع ذلك استطاعت أن تسيطر على المجلس سيطرة كاملة، ورغم أنه ينبغي للخطيب أن يمركز جميع مشاعره وحواسه ليتمكن من توضيح مقصوده إلا أن زينب وبعد تلك المصائب العظيمة استطاعت أن تتحدَّث وبكل شجاعة وصلابة ،وهذا يدل على ارتباطها المعنوي بعالم الملكوت الأعلى كما كانت أمها الزهراء، فزينب رغم أنها كانت تلعنهم وتتهجم عليهم وتعاتبهم والمفروض أن ينفروا ويبتعدوا من خطابها إلا أنهم انقلبوا على ما كانوا عليه وخاطبوها بقولهم " والله إن شبابكم هو خير الشباب" كلُّ ذلك يدلُّ على قوة روحها سلام الله عليها ولنعم ما قال آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الإصفهاني في أرجوزته:
ولِّيتُ وجهى شطرَ قبلةِ الورى
ومن بها تشـرفتْ أُمُ القـرى
قطبُ محيـطِ عـالمِ الوجـودِ
في قوسيِ النـزولِ والصـعودِ
ففي النـزولِ كعبـةُ الرزايـا
وفي الصـعودِ قبـلةُ البرايـا
بل هيَ بـابُ حطـةِ الخطايـا
ومـوْئـلُ الهباتِ والعطـايـا
أمُ الكتابِ في جـوامـعِ العـلا
أمُ المصـابِ في مجامعِ البـلا
رضيـعةُ الوحىِ شقيقةُ الهـدى
ربيـبةُ الفضـلِ حليفةُ النـدى
ربـةُ خدرِ القـدسِ والطـهارة
في الصونِ والعفافِ والخـفارةِ
فإنـها تـمثـلُ الكنـزَ الخـفي
بالسـترِ والحيـاءِ والتعـفـُّفِ
تمثِّـلُ الغيـبَ المصونَ ذاتـها
تعـربُ عنْ صـفاتِهِ صـفاتها
يتبع