تسمع الأذن كلمة " اثاقلتم " في قوله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ
" . فيتصور الخيال ذلك الجسم المثاقل , يرفعه الرافعون في جهد , فيسقط من
أيديهم في ثِقل . إن في هذه الكلمة " طنا " على الأقل من الأثقال ! ولو
أنك قلت : تثاقلتم , لخف الجرس , ولضاع الأثر المنشود , ولتوارت الصورة
المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ , واستقل برسمها .
.............................
وتقرأ : " وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ". فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها – وفي جرس " ليبطئن " خاصة . وإن اللسان ليكاد يتعثر , وهو يتخبط فيها , حتى يصل ببطء إلى نهايتها ! .
..............................
وتتلو حكاية قول هود : " .... أَرَأَيْتُمْ
إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ
عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا
كَارِهُونَ " . فتحس أن كلمة " أنلزمكموها "
تصور جو الإكراه بإدماج كل هذه الضمائر في النطق , وشد بعضها إلى بعض ,
كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون , ويشدون إليه وهم منه نافرون ! وهكذا
يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية , وأرفع من الفصاحة اللفظية
, اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن – قديما وحديثا – أعظم مزايا
القرآن ! .
..............................
وتسمع كلمة : " يصطرخون " مفي الآية : " وَالَّذِينَ
كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً
غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ " . فيخيل أليك جرسها
الغليظ , غلظ الصراخ المختلط المتجاوب من كل مكان , المنبعث من حناجر
مكتظة بالأصوات الخشنة ؛ كما تلقي إليك ظل الإهمال لهذا الاصطراخ الذي لا
يجد من يهتم به أو يلبيه . وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ
الذي هم فيه يصطرخون .
وحين يستقل لفظ واحد بهذه الصور كلها يكون ذلك فنا من التناسق الرفيع . ومثلها كلمة " عتل " في تمثيل الغليظ الجافي المتنطع : " عتل بعد ذلك زنيم " .
.................................
فإذا سمعت : "وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ " . صورت لك كلمة " بمزحزحه " – المقدمة في التعبير على الفاعل لإبرازها – صورة الزحزحة المعروفة كاملة متحركة , من وراء هذه اللفظة المفردة .
.................................
وكذلك قوله : " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ . وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ . " فكلمة " كبكبوا " يحدث جرسها صوت الحركة التي تتم بها .
----------------------------------------------
السيد قطب:التصوير الفني في القران
" . فيتصور الخيال ذلك الجسم المثاقل , يرفعه الرافعون في جهد , فيسقط من
أيديهم في ثِقل . إن في هذه الكلمة " طنا " على الأقل من الأثقال ! ولو
أنك قلت : تثاقلتم , لخف الجرس , ولضاع الأثر المنشود , ولتوارت الصورة
المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ , واستقل برسمها .
.............................
وتقرأ : " وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ". فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها – وفي جرس " ليبطئن " خاصة . وإن اللسان ليكاد يتعثر , وهو يتخبط فيها , حتى يصل ببطء إلى نهايتها ! .
..............................
وتتلو حكاية قول هود : " .... أَرَأَيْتُمْ
إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ
عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا
كَارِهُونَ " . فتحس أن كلمة " أنلزمكموها "
تصور جو الإكراه بإدماج كل هذه الضمائر في النطق , وشد بعضها إلى بعض ,
كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون , ويشدون إليه وهم منه نافرون ! وهكذا
يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية , وأرفع من الفصاحة اللفظية
, اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن – قديما وحديثا – أعظم مزايا
القرآن ! .
..............................
وتسمع كلمة : " يصطرخون " مفي الآية : " وَالَّذِينَ
كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً
غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ " . فيخيل أليك جرسها
الغليظ , غلظ الصراخ المختلط المتجاوب من كل مكان , المنبعث من حناجر
مكتظة بالأصوات الخشنة ؛ كما تلقي إليك ظل الإهمال لهذا الاصطراخ الذي لا
يجد من يهتم به أو يلبيه . وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ
الذي هم فيه يصطرخون .
وحين يستقل لفظ واحد بهذه الصور كلها يكون ذلك فنا من التناسق الرفيع . ومثلها كلمة " عتل " في تمثيل الغليظ الجافي المتنطع : " عتل بعد ذلك زنيم " .
.................................
فإذا سمعت : "وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ " . صورت لك كلمة " بمزحزحه " – المقدمة في التعبير على الفاعل لإبرازها – صورة الزحزحة المعروفة كاملة متحركة , من وراء هذه اللفظة المفردة .
.................................
وكذلك قوله : " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ . وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ . " فكلمة " كبكبوا " يحدث جرسها صوت الحركة التي تتم بها .
----------------------------------------------
السيد قطب:التصوير الفني في القران