بقلم : الدكتور عيسى مكي - البحرين
عضو إداري - مأتم الهادي "ع"
عضو إداري - مأتم الهادي "ع"
إن ابتعادك عن خط أهل البيت (ع)، خط من ضمهم مهبط الوحي، خط الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، هو الذي جعلك تتنكب الطريق الذي يؤدي إلى معرفة سبب إنتشار المذهب الحق، مذهب أهل البيت (ع)، وتعزو سبب إنتشاره إلى أسباب لو إفترضنا صحتها لكانت ثانوية؛ بذل الأموال الطائلة وكون المذهب السني لا يعطي حصانة ضد التشيّع، وتترك السبب الرئيس.
ولو رجعت إلى أي أحد من معتنقي المذهب الجعفري لدلك على السبب الرئيس بدون أدنى عناء، ولربما خفّف ذلك من أثر الصدمة التي أصابتك، حيث أنك ستعرف حينها بأنه لا يمكن عمل أي شيئ لإيقاف المد الشيعي، فتستسلم للأمر الواقع، فيساعدك ذلك على التخلص من بعض التوتر الشديد الذي إنتابك.
إذاً دعني أبوح لك بالسبب الرئيس لكوني أحدهم، ولكنني سأقول لك مقدماً أيّها " الشيخ الجليل" بأنني لا أستطيع أن أجزم بأن ذكري للسبب سيؤدي إلى تخفيف توترك، بل إن الأثر ربما يكون عكس ذلك، فقد يوحي بوحي لك بالسبب إلى تفاقم وضعك السيئ، وذلك لأن النتيجة تتوقف على المدى الذي وصلت إليه في بغضك لأهل البيت (ع).
السبب الرئيس أيها " الشيخ الجليل" هو إاقتراب تحقق وعد باب مدينة علم الرسول (ص) الذي ساقه عن طريق قوله هذا الذي تلا بعده الآية رقم 5 من سورة القصص المباركة والتي تقول " ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعّلّهم أئمة ً ونجعلهم الوارثين": " لتعطِـفُـنَّ الدنيا علينا بعد شِماسِها عطفَ الضروس على ولدها" (البحراني، 984/194).
وأنت تعرف أيها "الشيخ الجليل" أكثر من غيرك بأن الشماس يعني الامتناع والتنكّر وإبداء العداوة، والضروس تعني الناقة السيئة الخالق التي من عادتها العض على حالبها ليبقى لبنها لولدها، وذلك لفرط شفقتها عليه.
وقبل أن أتوّسع في شرح معنى وعد إبن أبي طالب (ع)، أود أن أسوق ملاحظة مهمة. ومفاد هذه الملاحظة هو أن بعض القراء الأعزاء، وخصوصاً إخواننا من أهل السنة، ربما يتضايق من سردي لأحداث لا تتناسب مع المكانة التي يـُنزل فيها بعض الصحابة، وبالخصوص الخلفاء الثلاثة؛ أبي بكر وعمر وعثمان. لهذا البعض أقول بأني لم أنطلق لسردي لها من معاداة لأولئك الرجال، بل كان بودي أن لو كانوا لم يقوموا بها فهم قد قدموا بعض الخدمات الجليلة للمسلمين والتي لا يمكن لأحد نكرانها، وإنما أذكرها لسببين إثنين فقط وهما لكون تلك الأحداث قد أصبحت جزءً من التاريخ ولكون ما أتكلم عنه يمثل خطاً. وهذا يعني بأننا لو عكسنا الأمر، وافترضنا بأن علياً (ع) قد قام بتلك الأحداث – وحاشاه أن يفعل - لقلت فيه مثل ما قلت عن الصحابة الذين قد مارسوها، فأنا وباقي الشيعة لا نقف ضد صحابي أو نواليه لشخصه، ولكن لمواقفه.
وبعد سوقي لهذه الملاحظة دعني أيها "الشيخ الجليل" أشرح معنى وعد علي (ع). إن معناه يعني بأن الدنيا بعد تنكّرها لأهل البيت (ع) ونصب العداوة لهم، ستعود لموالاتهم والعطف عليهم بقوة، وهذا بالضرورة يعني إنتصار خطهم وهو خط الرسالة الأصيل صلوات الله وسلامها على صاحبها وأهل بيته الطاهرين.
والجدير بالذكر أيها (الشيخ الجليل)، أن علي بن أبي طالب (ع) قد قال وعده السابق وهو في خضم معاناته من شدة البلايا والمحن التي لا تقوى على حملها الجبال الرواسي والتي تعرض لها على يد بعض من أقطاب الصحابة (الذين تصفونهم بالعدول) بصفة مباشرة، وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، والتي إبتدأت منذ إغتصاب الخلافة منه (ع) وحرمان فاطمة من إرثها ونحلتها في فدك والعوالي وتحريق بيتها عليها، وبصفة غير مباشرة عن طريق تأسيسهم لكي يبقى أهل البيت (ع) وشيعتهم تحت الضيم والاضطهاد والتقتيل والحرمان بعد ذلك. وقاله وهو يعلم عظم البلايا والمصائب التي ستلحق بأهل بيته وشيعته من بعده وأنهم سيقبعون مضطهدين ومشردين على مدار قرون، فهيهات أن يستطيع الطغاة مهما إشتدت قسوتهم وإمتد بهم الزمان أن ينالوا قيد أنملة من إيمانه (ع) بحتمية تحقق وعد الله.
إليك أيها (الشيخ الجليل) بعض التفاصيل من تلك الويلات والبلاياً التي أذاقها الإمام (ع) أو ساهم في حصولها أسيادك من الصحابة الذين تتخذهم قادة وتقدسهم وتصر على وصفهم بالعدول، فلقد حاولوا إطفاء نور الله، ولكن أنى لهم ذلك والله يأبى "إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون":
أ - عملت مدرسة الخلفاء الثلاثة؛ أبو بكر وعمر وعثمان على كتمان النصوص النبوية التي تخالف سياستهم سواء تلك النصوص التي تدل على أن علياً (ع) هو وصيّ رسول الله (ص) أو أية نصوص أخرى تصطدم بسياستهم العامة، ونفذّوا عملهم المشين ذلك بواسطة طرق عدة نذكر عشر عناوين من تلك التي ذكرها العسكري في المجلّد الأول من كتابه معالم المدرستين:
1 - حذف كلمة أو بضع كلمات من حديث المصطفى (ص) وتبديل الكلمة أو الكلمات بكلمة مبهمة أو كلمات مبهمات 2 - حذف ما يتمّم الخبر من سيرة الصحابة مع الإشارة إلى ذلك 3 - حذف معنى حديث الرسول (ص) إلى معنى آخر 4 - حذف أجزاء من أقوال الصحابة دون الإشارة إلى ذلك 5 - عدم ذكر أجزاء من بعض الروايات المتعلقة بسنة المصطفى (ص) وعدم الإشارة إلى كل جزء محذوف على حدة، والاكتفاء بإشارة عامة عن الحذف، كالإشارة إلى عدم ذكر بعض ما ذكر في كتاب ما مثلاً والتعلّل بأن ما ترك يسوء الناس ذكره، في الوقت الذي يكون فيه كثير مما ترك يمثـّل أهمية بالغة في الرواية، كحذف بن هشام من سيرته ما قاله رسول الله (ص) في شأن علي بن أبي طالب (ع) عندما أُمر (ص) بإنذار عشيرته الأقربين " إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا" 6 - النهي عن تدوين سنّة النبي (ص)، وهذا من أخطر أنواع الكتمان بالمدرسة المذكورة، ويكفي في هذا الصدد أن نشير إلى رزية يوم الخميس حين حالوا بين الرسول (ص) وبين كتابة وصيته في آخر ساعة من حياته (ص). والجدير بالذكر أن منع التدوين بقي ساري المفعول حتى زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي رفع الحضر وأمر بالتدوين 7 - تضعيف مدرسة الخلفاء لرواة سنّة المصطفى الذين يروون روايات تنال من مقام أصحاب السلاطين الظلمة، وتضعيف رواياتهم وكتبهم، مع قتل هؤلاء الرواة في بعض الأحيان 8 - إحراق الكتب والمكتبات التي لا تنسجم مع هوى السلطة الحاكمة، وكان الرائد في هذا العمل الخليفة عمر بن الخطّاب، حسب ما جاء في طبقات ابن سعد 9 - حذف أجزاء من أقوال الصحابة والتحريف في باقي الأقوال، كما حذف ابن كثير الجزء الذي لا يعجبه من خطبة الإمام الحسين (ع) التي ألقاها على القوم في كربلاء، وهو قول الحسين (ع) بأنه ابن وصيّ النبي (ص) – حيث أن ذكر الوصيّة يقض مضاجع شانئي أمير المؤمنين (ع) – وحرّف باقي الخطبة 10 - وضع روايات وأخبار مختلقة في قبالة الروايات الصحيحة، ومن ضمن الوضّاع كذّابين ومتهمين بالزندقة، كسيف بن عمر التميمي، الذي وصفه بعض من علماء الرجال بأنه "ضعيف، متروك الحديث، ليس بشيء، كذّاب، كان يضع الأحاديث، اتهم بالزندقة"، ثم عمل أصحاب التواريخ المشهورة عند الجمهور كابن جرير وابن كثير وابن الأثير بحشو مؤلفاتهم بروايات هذا الصنف من الوضّاعين.
ب - التمهيد الذي قام به الخلفاء عن طريق ما عملوا من انحرافات عن سنّة الرسول (ص)، ليتولى بنو أمية وبنو العباس على رقاب المسلمين. ولقد أذاق أصحاب البيتين المذكورين أبناء علي (ع) وشيعتهم أقسى أنواع المصائب والإحن.
وإننا وإن كنا نعرف بأنك يا فضيلة الشيخ تعلم أكثر من غيرك بالأعمال الوحشية التي مارسها من تتخذهم قدوة من بني أميّة والعبّاس بحق أبناء العترة الطاهرة ومحبيهم والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، في محاولة منهم أيضاً لإطفاء نور الله، إلاّ أنه لا بأس من ذكر بعضٍ منها هنا، عسى أن يقرأها بعضٌ ممن شاركت في حرفهم عن المذهب الحق، فيهتدوا إليه:
إن معاوية بن أبي سفيان قد استمات محاولاً دفن سنة المصطفى (ص) والحط من قدر علي (ع) ومحو ذكره (ع) وتتبع أصحاب أمير المؤمنين (ع) في كل مكان من ديار المسلمين من أجل تصفيتهم.
والحقيقة أنه لم يخف نيته في عمل ذلك العمل الشائن الذي يهتز له عرش الله تعالى، فهذا ابن أحد رجاله الذين كان يعتمد عليهم في تنفيذ جرائمه بحق المسلمين من شيعة علي وهو المطرف بن المغيرة بن شعبة، يصرّح بالآتي:
كان لأبي عادة الذهاب إلى معاوية في كل ليلة ليتحدث إليه، ثم يقفل راجعاً فيشيد أمامي بذكائه وعقله .. وفي ليلة من الليالي توقّف أبي عن الثناء وكان الغمّ بادٍ على وجهه، فاعتقدت أن سبب ذلك أمراً حدث فينا. فسألته عن سبب غمّه في تلك الليلة. فأجاب: " يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم". فسألت، وما ذاك؟ فقال بأنه قد قال لمعاوية وقد خلا به: "إنك وقد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً .. وقد كبرت، فلو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم فوصلت أرحامهم. ووالله ما عندهم اليوم شيئ تخافه. وذلك ما يبقى لك ذكره وثوابه". ثم قال بأن معاوية قد أجابه بقوله: " هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبا بكر. ثم ملك أخو عديّ فاجتهد وشمّر عشر سنين، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر. ثم ملك أخونا عثمان، فملك رجل لم يكن في مثل نسبه، فعمل ما عمل، وعُمل به، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فُـعل به .. وإن ابن أبي كبشة أخا هاشم –يقصد بقوله النبي (ص)!!! - يُصرخُ ويُصاح به كل يوم خمس مرّات: أشهد أن محمداً رسول الله ! فأيّ عمل يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أمّ لك؟!! والله إلاّ دفناً دفناً!!"(ينظر في هذا الصدد سليمان، كامل (1979/180-181).
ومن جملة ما عمله معاوية في محاولته الدنيئة التي ذكرناها، الأمر بسب علي بن أبي طالب على المنابر، في كل بقعة من بقاع أرض الإسلام، وتربية الناس على هذه العادة.
والجدير بالذكر أن ضمير بعض أفراد بني أمية قد وعى نوعاً ما ، فزاروه يوماً وتوجّهوا إليه بالقول: "إنك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن عليّ .. "، ولكنه أجابهم بقوله: لا والله، حتى يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً"(المرجع السابق، ص 180).
من هنا يتبيّن قصده وهو أن لا يُذكر لأفضل الناس بعد رسول الله (ص)؛ علي ابن أبي طالب، فضل!!!!!!!!
ونتيجة لهذا الإصرار على لعن وسب أبي الحسن (ع) ظلت هذه العادة مستمرة لمدة تسعين سنة هي مدة خلافة بني أميّة، كما يقول العسكري، ج1"1993/398"، و ألف شهركما يقول الطريحي"ص 8". وبسبب طول مدة مكث العادة الإجرامية هذه وإصرار معاوية على تعاهدها، صارت تجري مجرى الماء في نفوس مبغضي الإمام (ع) إلى درجة أن خطيباً من خطباء بني أمية بمصر قد نسي يوماً من الأيام لعن علي (ع) في إحدى خطبه، ولكنه ذكرها في الطريق وقضاها. والغريب أن القوم قد قاموا ببناء مسجد في المكان الذي تذكّر فيه الخطيب المذكور نسيانه لعن علي (ع) وسمّي مسجد الذكر وصار مكاناً يتبرك فيه الناس!!(الطريحي، نفس المصدر ونفس الصفحة).
ولو رجعت إلى أي أحد من معتنقي المذهب الجعفري لدلك على السبب الرئيس بدون أدنى عناء، ولربما خفّف ذلك من أثر الصدمة التي أصابتك، حيث أنك ستعرف حينها بأنه لا يمكن عمل أي شيئ لإيقاف المد الشيعي، فتستسلم للأمر الواقع، فيساعدك ذلك على التخلص من بعض التوتر الشديد الذي إنتابك.
إذاً دعني أبوح لك بالسبب الرئيس لكوني أحدهم، ولكنني سأقول لك مقدماً أيّها " الشيخ الجليل" بأنني لا أستطيع أن أجزم بأن ذكري للسبب سيؤدي إلى تخفيف توترك، بل إن الأثر ربما يكون عكس ذلك، فقد يوحي بوحي لك بالسبب إلى تفاقم وضعك السيئ، وذلك لأن النتيجة تتوقف على المدى الذي وصلت إليه في بغضك لأهل البيت (ع).
السبب الرئيس أيها " الشيخ الجليل" هو إاقتراب تحقق وعد باب مدينة علم الرسول (ص) الذي ساقه عن طريق قوله هذا الذي تلا بعده الآية رقم 5 من سورة القصص المباركة والتي تقول " ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعّلّهم أئمة ً ونجعلهم الوارثين": " لتعطِـفُـنَّ الدنيا علينا بعد شِماسِها عطفَ الضروس على ولدها" (البحراني، 984/194).
وأنت تعرف أيها "الشيخ الجليل" أكثر من غيرك بأن الشماس يعني الامتناع والتنكّر وإبداء العداوة، والضروس تعني الناقة السيئة الخالق التي من عادتها العض على حالبها ليبقى لبنها لولدها، وذلك لفرط شفقتها عليه.
وقبل أن أتوّسع في شرح معنى وعد إبن أبي طالب (ع)، أود أن أسوق ملاحظة مهمة. ومفاد هذه الملاحظة هو أن بعض القراء الأعزاء، وخصوصاً إخواننا من أهل السنة، ربما يتضايق من سردي لأحداث لا تتناسب مع المكانة التي يـُنزل فيها بعض الصحابة، وبالخصوص الخلفاء الثلاثة؛ أبي بكر وعمر وعثمان. لهذا البعض أقول بأني لم أنطلق لسردي لها من معاداة لأولئك الرجال، بل كان بودي أن لو كانوا لم يقوموا بها فهم قد قدموا بعض الخدمات الجليلة للمسلمين والتي لا يمكن لأحد نكرانها، وإنما أذكرها لسببين إثنين فقط وهما لكون تلك الأحداث قد أصبحت جزءً من التاريخ ولكون ما أتكلم عنه يمثل خطاً. وهذا يعني بأننا لو عكسنا الأمر، وافترضنا بأن علياً (ع) قد قام بتلك الأحداث – وحاشاه أن يفعل - لقلت فيه مثل ما قلت عن الصحابة الذين قد مارسوها، فأنا وباقي الشيعة لا نقف ضد صحابي أو نواليه لشخصه، ولكن لمواقفه.
وبعد سوقي لهذه الملاحظة دعني أيها "الشيخ الجليل" أشرح معنى وعد علي (ع). إن معناه يعني بأن الدنيا بعد تنكّرها لأهل البيت (ع) ونصب العداوة لهم، ستعود لموالاتهم والعطف عليهم بقوة، وهذا بالضرورة يعني إنتصار خطهم وهو خط الرسالة الأصيل صلوات الله وسلامها على صاحبها وأهل بيته الطاهرين.
والجدير بالذكر أيها (الشيخ الجليل)، أن علي بن أبي طالب (ع) قد قال وعده السابق وهو في خضم معاناته من شدة البلايا والمحن التي لا تقوى على حملها الجبال الرواسي والتي تعرض لها على يد بعض من أقطاب الصحابة (الذين تصفونهم بالعدول) بصفة مباشرة، وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، والتي إبتدأت منذ إغتصاب الخلافة منه (ع) وحرمان فاطمة من إرثها ونحلتها في فدك والعوالي وتحريق بيتها عليها، وبصفة غير مباشرة عن طريق تأسيسهم لكي يبقى أهل البيت (ع) وشيعتهم تحت الضيم والاضطهاد والتقتيل والحرمان بعد ذلك. وقاله وهو يعلم عظم البلايا والمصائب التي ستلحق بأهل بيته وشيعته من بعده وأنهم سيقبعون مضطهدين ومشردين على مدار قرون، فهيهات أن يستطيع الطغاة مهما إشتدت قسوتهم وإمتد بهم الزمان أن ينالوا قيد أنملة من إيمانه (ع) بحتمية تحقق وعد الله.
إليك أيها (الشيخ الجليل) بعض التفاصيل من تلك الويلات والبلاياً التي أذاقها الإمام (ع) أو ساهم في حصولها أسيادك من الصحابة الذين تتخذهم قادة وتقدسهم وتصر على وصفهم بالعدول، فلقد حاولوا إطفاء نور الله، ولكن أنى لهم ذلك والله يأبى "إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون":
أ - عملت مدرسة الخلفاء الثلاثة؛ أبو بكر وعمر وعثمان على كتمان النصوص النبوية التي تخالف سياستهم سواء تلك النصوص التي تدل على أن علياً (ع) هو وصيّ رسول الله (ص) أو أية نصوص أخرى تصطدم بسياستهم العامة، ونفذّوا عملهم المشين ذلك بواسطة طرق عدة نذكر عشر عناوين من تلك التي ذكرها العسكري في المجلّد الأول من كتابه معالم المدرستين:
1 - حذف كلمة أو بضع كلمات من حديث المصطفى (ص) وتبديل الكلمة أو الكلمات بكلمة مبهمة أو كلمات مبهمات 2 - حذف ما يتمّم الخبر من سيرة الصحابة مع الإشارة إلى ذلك 3 - حذف معنى حديث الرسول (ص) إلى معنى آخر 4 - حذف أجزاء من أقوال الصحابة دون الإشارة إلى ذلك 5 - عدم ذكر أجزاء من بعض الروايات المتعلقة بسنة المصطفى (ص) وعدم الإشارة إلى كل جزء محذوف على حدة، والاكتفاء بإشارة عامة عن الحذف، كالإشارة إلى عدم ذكر بعض ما ذكر في كتاب ما مثلاً والتعلّل بأن ما ترك يسوء الناس ذكره، في الوقت الذي يكون فيه كثير مما ترك يمثـّل أهمية بالغة في الرواية، كحذف بن هشام من سيرته ما قاله رسول الله (ص) في شأن علي بن أبي طالب (ع) عندما أُمر (ص) بإنذار عشيرته الأقربين " إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا" 6 - النهي عن تدوين سنّة النبي (ص)، وهذا من أخطر أنواع الكتمان بالمدرسة المذكورة، ويكفي في هذا الصدد أن نشير إلى رزية يوم الخميس حين حالوا بين الرسول (ص) وبين كتابة وصيته في آخر ساعة من حياته (ص). والجدير بالذكر أن منع التدوين بقي ساري المفعول حتى زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي رفع الحضر وأمر بالتدوين 7 - تضعيف مدرسة الخلفاء لرواة سنّة المصطفى الذين يروون روايات تنال من مقام أصحاب السلاطين الظلمة، وتضعيف رواياتهم وكتبهم، مع قتل هؤلاء الرواة في بعض الأحيان 8 - إحراق الكتب والمكتبات التي لا تنسجم مع هوى السلطة الحاكمة، وكان الرائد في هذا العمل الخليفة عمر بن الخطّاب، حسب ما جاء في طبقات ابن سعد 9 - حذف أجزاء من أقوال الصحابة والتحريف في باقي الأقوال، كما حذف ابن كثير الجزء الذي لا يعجبه من خطبة الإمام الحسين (ع) التي ألقاها على القوم في كربلاء، وهو قول الحسين (ع) بأنه ابن وصيّ النبي (ص) – حيث أن ذكر الوصيّة يقض مضاجع شانئي أمير المؤمنين (ع) – وحرّف باقي الخطبة 10 - وضع روايات وأخبار مختلقة في قبالة الروايات الصحيحة، ومن ضمن الوضّاع كذّابين ومتهمين بالزندقة، كسيف بن عمر التميمي، الذي وصفه بعض من علماء الرجال بأنه "ضعيف، متروك الحديث، ليس بشيء، كذّاب، كان يضع الأحاديث، اتهم بالزندقة"، ثم عمل أصحاب التواريخ المشهورة عند الجمهور كابن جرير وابن كثير وابن الأثير بحشو مؤلفاتهم بروايات هذا الصنف من الوضّاعين.
ب - التمهيد الذي قام به الخلفاء عن طريق ما عملوا من انحرافات عن سنّة الرسول (ص)، ليتولى بنو أمية وبنو العباس على رقاب المسلمين. ولقد أذاق أصحاب البيتين المذكورين أبناء علي (ع) وشيعتهم أقسى أنواع المصائب والإحن.
وإننا وإن كنا نعرف بأنك يا فضيلة الشيخ تعلم أكثر من غيرك بالأعمال الوحشية التي مارسها من تتخذهم قدوة من بني أميّة والعبّاس بحق أبناء العترة الطاهرة ومحبيهم والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، في محاولة منهم أيضاً لإطفاء نور الله، إلاّ أنه لا بأس من ذكر بعضٍ منها هنا، عسى أن يقرأها بعضٌ ممن شاركت في حرفهم عن المذهب الحق، فيهتدوا إليه:
إن معاوية بن أبي سفيان قد استمات محاولاً دفن سنة المصطفى (ص) والحط من قدر علي (ع) ومحو ذكره (ع) وتتبع أصحاب أمير المؤمنين (ع) في كل مكان من ديار المسلمين من أجل تصفيتهم.
والحقيقة أنه لم يخف نيته في عمل ذلك العمل الشائن الذي يهتز له عرش الله تعالى، فهذا ابن أحد رجاله الذين كان يعتمد عليهم في تنفيذ جرائمه بحق المسلمين من شيعة علي وهو المطرف بن المغيرة بن شعبة، يصرّح بالآتي:
كان لأبي عادة الذهاب إلى معاوية في كل ليلة ليتحدث إليه، ثم يقفل راجعاً فيشيد أمامي بذكائه وعقله .. وفي ليلة من الليالي توقّف أبي عن الثناء وكان الغمّ بادٍ على وجهه، فاعتقدت أن سبب ذلك أمراً حدث فينا. فسألته عن سبب غمّه في تلك الليلة. فأجاب: " يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم". فسألت، وما ذاك؟ فقال بأنه قد قال لمعاوية وقد خلا به: "إنك وقد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً .. وقد كبرت، فلو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم فوصلت أرحامهم. ووالله ما عندهم اليوم شيئ تخافه. وذلك ما يبقى لك ذكره وثوابه". ثم قال بأن معاوية قد أجابه بقوله: " هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبا بكر. ثم ملك أخو عديّ فاجتهد وشمّر عشر سنين، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر. ثم ملك أخونا عثمان، فملك رجل لم يكن في مثل نسبه، فعمل ما عمل، وعُمل به، فو الله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فُـعل به .. وإن ابن أبي كبشة أخا هاشم –يقصد بقوله النبي (ص)!!! - يُصرخُ ويُصاح به كل يوم خمس مرّات: أشهد أن محمداً رسول الله ! فأيّ عمل يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أمّ لك؟!! والله إلاّ دفناً دفناً!!"(ينظر في هذا الصدد سليمان، كامل (1979/180-181).
ومن جملة ما عمله معاوية في محاولته الدنيئة التي ذكرناها، الأمر بسب علي بن أبي طالب على المنابر، في كل بقعة من بقاع أرض الإسلام، وتربية الناس على هذه العادة.
والجدير بالذكر أن ضمير بعض أفراد بني أمية قد وعى نوعاً ما ، فزاروه يوماً وتوجّهوا إليه بالقول: "إنك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن عليّ .. "، ولكنه أجابهم بقوله: لا والله، حتى يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً"(المرجع السابق، ص 180).
من هنا يتبيّن قصده وهو أن لا يُذكر لأفضل الناس بعد رسول الله (ص)؛ علي ابن أبي طالب، فضل!!!!!!!!
ونتيجة لهذا الإصرار على لعن وسب أبي الحسن (ع) ظلت هذه العادة مستمرة لمدة تسعين سنة هي مدة خلافة بني أميّة، كما يقول العسكري، ج1"1993/398"، و ألف شهركما يقول الطريحي"ص 8". وبسبب طول مدة مكث العادة الإجرامية هذه وإصرار معاوية على تعاهدها، صارت تجري مجرى الماء في نفوس مبغضي الإمام (ع) إلى درجة أن خطيباً من خطباء بني أمية بمصر قد نسي يوماً من الأيام لعن علي (ع) في إحدى خطبه، ولكنه ذكرها في الطريق وقضاها. والغريب أن القوم قد قاموا ببناء مسجد في المكان الذي تذكّر فيه الخطيب المذكور نسيانه لعن علي (ع) وسمّي مسجد الذكر وصار مكاناً يتبرك فيه الناس!!(الطريحي، نفس المصدر ونفس الصفحة).